الفساد الإداري أسبابه وعلاجه من منظور إسلامي
DOI:
https://doi.org/10.51930/jcois.2018.56.%25pالملخص
ملخـــص البحــــث
يرجع تأريخ ظهور الفساد إلى بداية الخلق والخليقة، إذ اهتم الأديان السماوية بها كثيراً; وذلك لتوعية الناس إلى أن جَلل المصاب تكمن وراء هذه الظاهرة.
والقرآن الكريم اهتم بهذا الجانب اهتماماً بالغاً، فقد ذكر تأثيرات الفساد على المجتمعات عموماً، وعلى الأفراد خصوصاً، ولم تأتِ آية كريمة تتحدث عن آثار الفساد إلا واقترنت بآية أخرى تطرَّقت إلى الهلاك وسوء العاقبة للمفسدين، وقد خصص لذلك خمسين آية في مناسبات مختلفة ، وهي تندد بالفساد، وتدعو إلى اجتنابه ، وتحذر من سوء عقابه ... وبهذا فأن القرآن الكريم ذكر معنى الفساد أوسع بكثير مما هو متعارف عليه في تعاريف المنظمات الدولية والمدنية.
وفيما يتعلق بالنوعية فقد قسم القرآن الكريم الفساد على قسمين:
أولاً: الفساد المعنوي: كما في قوله تعالى:{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا }.المائدة/32
ثانياً: الفساد الحسي: كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .المائد/33. ويلحظ من الآيتين الكريمتين أن آثار كلا القسمين مقيتة، وأن نتائجهما وخيمة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فأنها تبذر الأموال والثروات، وتهدر الوقت والطاقات، والكفاءات، وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، ناهيك عما يسببه من التأخر في عملية البناء، والتقدم على جميع الأصعدة. وتجدر الإشارة إلى أن ظهور هذه الظاهرة واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير مشروعة، وتكون واضحة بصورة كبيرة في مجتمعات العالم الثالث ولا سيما في مؤسساتها الحكومية. لذا ينبغي أن تتوفر الإرادة الجادة والحقيقية من قبل القيادة السياسية لمحاربة الفساد الإداري بكل أشكاله وأنواعه، أو على الأقل بأن لا تصطدم توجهات مكافحتها مع السلطة السياسية، وعلى الحكومة التحقيق في المخالفات القانونية لفترات زمنية طويلة، لأن ذلك يساهم في كشف القضايا الجنائية والإدارية، ويؤدي أيضاً إلى تمييع المفسدين الإداريين والسياسيين وفضحهم أمام المجتمع، وامتثالهم أمام المحاكم، وسحب الثقة منهم في حالة الإدانة ، يقول الله تعالى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }. سورة البقرة/12 . وعليه فأنه يجب التصدي لهذا المرض بكل الوسائل الشرعية والقانونية المتاحة، لأنه يصبح أمراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً دون إعلان حرب حقيقية عليه قبل انتشاره ويصيب جميع مرافق الحياة، وقد أكدت جملة من الأبحاث والتجارب العلمية أن عملية الإصلاح المبكر قد تسعف المجتمع وتنجوه من الضياع والدمار، أما التأخر فيه فيعني زيادة احتمال فشل هذا الإصلاح ، والعجز في مواجهة تحديات المستقبل.