توجيه النحاة للخلاف النحوي في إعراب الجزء الرابع من القرآن الكريم

الملخص

أحيط كتاب الله المعجز بعناية العلماء فهو الذي أعجز البلغاء ببلاغته ، فعنوا بكل جزئية من جزئياته ، وعكفوا على دراسته دراسة بالغة الدقة في ما يتعلق بسوره وآياته وكلماته ، فكان القرآن من أهم البواعث على الاشتغال بالعربية لدراسة اللغة وعلومها المختلفة  وقد كان طبيعيا جدا أن يكون القرآن أهم المصادر التي استقى منها علماء العربية ، والنحاة الأوائل ، نظرا لإجماعهم على أنه في أعلى درجات الفصاحة وخير سجل للغة الأدبية المشتركة .

      ومن هذه العلوم التي أطل بوجهه العظيم على كل مسالة من مسائل علم النحو , ولولا هذا القرآن لما نشأ هذا العِلم الذي تمت له السيطرة فيما بعد على كل علم من علوم العربية وآدابها ، إذ بدأت بوادر عناية علماء العرب بالإعراب, فبدأوا بوضع علامات الاعراب, فكانت على هيأة نقاط توضع فوق الحرف أو تحته أو بين يديه ثم اصبحت على النحو المعروف فيما بعد تلافيا للحن إذ إن حس العرب بالإعراب ، وإكرامهم له دعاهم أن يضبطوا بالنقط آخر الكلمات في القرآن الكريم حين يكتبونه , وإن ممارسة النحاة لهذا الضبط هدتهم الى كشف الإعراب .

      تعد ظاهرة الإعراب من الظواهر المهمة في اللغة العربية , بل هي من أبرز سماتها ، "فقد جاء في التاريخ القديم أن اللغة البابلية كانت ذات حركات اعرابية إذ إن اللغة العربية  قضت أكثر من ألفي عام وهي ذات حياة في سجلات الحكومة ودواوينها وعلى السنة العالية من القوم . وقد استعجمت في السنة العامة من اهل الحواضر, وكان اول شيء أضاعته هو حركات الاعراب , فلا نستطيع أن ننكر تلك المقطعات والقصائد الجاهلية التي كان من أبرز عناصرها الاعراب ، فالتفت اليه العلماء وعنوا به كثيرا  استخلصوا مناهجه استخلاصا من القرآن والحديث وكلام الفصحاء من العربي ورتبوها وصاغوها في صورة قواعد وقوانين".

       "وبعد الاختلاط بالأعاجم صار للناس لغة في التخاطب لم يلتزم فيها بالا عراب ، مما حدا علماء العربية على ان يدعوا الى الالتزام بما في النحو العربي من قواعد بما في ذلك الحركات الاعرابية , وعدم الإخلال بها ، وهنا نجد الشيخ عبد القاهر - في هذا الصدد يقول : "واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهج فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها , ويذكر الجاحظ شيئا من تفشي اللحن بين العامة ، وكذلك نجده يحض الرواة والمتأدبين على الاستماع الى حديث الاعراب العقلاء الفصحاء والى العلماء البلغاء؛ لأنه - كما يقول -  ليس في الارض كلام هو أمتع ولا آنق ولا اشد اتصالا بالعقول السليمة ولا أفتق للسان ولا أجود تقويما للبيان من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء و هو يحض أيضا على حكاية النادرة من كلام الأَعراب مع إعرابها ومخارج الفاظها فلا يلحن في إعرابها".^([1])

[1] ) دلائل الإعجاز , الجرجاني، عبدالقاهر، ، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، ص34.